حي باب سويقة – عبد القادر بن الحاج نصر
حي باب سويقة* –
عبد القادر بن الحاج نصر
"حي باب سويقة" هي رواية للأديب التّونسي عبد القادر بن الحاج
نصر صدرت في طبعتها الأولى سنة 2008 من القطع المتوسّط في 506 صفحة.
حيّ باب سويقة - الطبعة الثّانية 2008 |
وقوفا على العنوان، للقارئ أو المطّلع على الكتاب أن يُدرج الرّواية ضمن مجموعة الرّوايات التّاريخيّة كما هو الحال مع أغلب عناوين الرّوايات التّاريخيّة التّونسيّة، أذكر منها "باب العلوج" و"باب الفلّة" لحسنين بن عمّو (للاطلاع على هذين الكتابين، من هذا الرّابط وهذا) إلاّ أنّ الكاتب استمدّ خصوصيّة المكان "حي باب سويقة" لما لديه من مرجعيّة سياسيّة واجتماعيّة في تونس ولدى سكّان العاصمة ليكون إطارا عامّا لأحداث روايته. غير أنّنا يمكن أن نعتبر هذه الرّواية هي توثيق لتاريخ تونس المعاصر، يعني إثر الاستقلال، وخاصّة عند احتدام الصّراع النّقابي الحكومي في نهاية الفترة البورقيبيّة إذ أنّ الكاتب جسّد لنا معاناة النّقابي آنذاك من خلال شخصيّة عبّاس الذي كلّفه العمل ضمن النّقابة سنوات من عمره وخوفا دائما من العودة إلى الغياهب السّجن حيث التّعذيب.
ومع هذا وعلى عكس تخميناتي عند القراءة، فضّل الكاتب الإشارة إلى بعض
الأحداث المهمّة في هذا الصّراع دون أن يتعمّق فيه كما تعمّق في نقل حياة الصّحفي
محفوظ الذي بدأ مسيرته الصحفيّة كرئيس تحرير يجلد من يريد بسوط كلماته دون أن
تصيبه التّهم إلى أن انتهى به المطاف في غياهب الأرشيف ومجالسة الصّبي شفيق أو كما
سمّاه "بودودة مات" (شخصيّة من ابتكار الكاتب التّونسي رشاد الحمزاوي)
لما لهما من نقاط تشابه، في حين استغلّ مصطفى ضعف محفوظ ليتسلّق سلّم التّرقيات
داخل الجريدة ثمّ خارجها بأساليب غير مهنيّة وأحيانا غير أخلاقيّة، أي أنّ الكاتب
وعلى مدى صفحات بيّن كيفيّة تراجع مكانة وقيمة الصّحفي النّزيه في مقابل ارتقاء
الصحّفي بائع الذّمم والمنافق كإشارة لبداية انهيار السّلطة الرّابعة.
تتعدّد الشّخصيّات في هذه الرّواية وتنقسم إلى فئتين: الأولى وهي الفئة
البورجوازيّة المستغلّة (مصطفى، منصور، داود، حسن، آسيا...) والتّي تواطأت لتغيير مظهر
حي باب سويقة بإحداث نفق به، والفئة الثّانية وهم سكّان حي باب سويقة (محفوظ،
عبّاس، شفيق ووالديه، سهام ووالديها...) وهي الفئة الكادحة والحالمة بالسّاحة كما
كانت. غير أنّ الشّخصيّات لم يجمعهم هذا المكان فقط، بل إنّ جريمة حدثت فيه شارك
فيها كلّ من حسن وآسيا وحاول كلّ من داود ومصطفى طمس معالمها ولم يتوقّعوا وجود
شاهد فضّل الصّمت حتّى حان وقت التّحرّك.
فما هو مصير المجرمَيْن وكيف تشابكت كلّ هذه الأحداث لخلق هذه الرّواية؟
هذا ما ستكتشفونه عند قراءتها.
ختاما، ملاحظة أودّ سياقتها وهي بخصوص صورة الغلاف وهي لوحة "المتدرّب
المتثائب" لمانكاكسي: تتدرّج بنا أحداث الرّواية إلى نهاية الثّمانينات حيث أنّ إحدى
الشّخصيّات عبّرت عن قلقها من قلّة ظهور المجاهد الأكبر للشّعب رغم تفشّي الفساد
الإداري والمالي الذي شمل الوزارات والمؤسّسات الحكوميّة، ولعلّ هذا المتدرّب هو
الشّعب نفسه الذي مازال يخطو خطواته الأولى نحو الدّيمقراطيّة والذي عوض أن ينتبه
لما يحدث حوله من حكم متّجه نحو الدّكتاتوريّة مازال يغالب النّوم ويحلم بالرّخاء
عوض التأمّل والتّفكير في المستقبل لتجنّب الوقوع في شراك الحكم الفرديّ والقمع...
* باب سويقة: هو أحد أشهر أبواب المدينة العتيقة بتونس العاصمة. به ضريح
الوليّ الصّالح "سيدي محرز" المعروف بـ"سُلطان المدينة" وبه
مقرّ جمعيّة التّرجي الرّياضي التّونسي.
تعليقات
إرسال تعليق