السّهاد – حسام بن عمّار

السّهاد – حسام بن عمّار

السّهاد هي رواية للكاتب التّونسي "حسام بن عمّار" صدرت في طبعتها الأولى عن دار نقوش عربيّة للنّشر سنة 2016 وجاءت في 146 صفحة من القطع المتوسّط.

السّهاد - الطبعة الأولى 2016

يُمثّل العنوان القضيّة المطروحة في هذه الرّواية، وأمّا متنها فهي دعوة من الكاتب كي نتّبع معه آثار ومخلّفات السّهاد ونبحث معه عن حلول. الرّاوي، وهو صحفيّ، يصيبه أرقٌ يستمرّ لعدّة ليال. لا نهاية واضحة لهذا الأرق، تتزامن معه موجة قيظ علّها كانت هي سبب هذا السّهاد. يوما بعد يوم، يكتشف الرّاوي أنّه ليس الوحيد الـمَهجُور من النّوم. الصّيدليات خَلَتْ من حبوب النّوم، والهالات السّوداء أصبحت مشتركة بين النّاس. تحتقن الأجواء أكثر إثر أحداث شغب من قبل مسوخ بشريّة، يتعرّض الرّاوي لهجوم من قبل مجهولين بينما يستمرّ التّعتيم  الاعلاميّ عمّا يصيب العباد من بلاء. يضطر الرّاوي لأخذ إجازته السّنويّة، يغطس في الملذّات شُربا وجنسا، تنتشر تقرّحات جلديّة على كامل جسده مُعلنة خطورة حالته ولا يشفيها المرهم. السّهاد مازال يعصف به وطبيبه النّفسيّ يحاول اقناعه بأنّ لا شيء يدّعي للخوف. طيلة صفحات الرّواية نشهد تحوّل الصّحفي من إنسان بدأ يهجره النّوم، إلى إنسان أصبحت كلّ أنشطته ليليّة إلى مسخ لا يطلب سوى دقائق راحة تامّة.
تجدر الإشارة في هذه الرّواية إلى نقاط خصّها الكاتب بأحداث عكست واقعا تونسيّا أهمّها: مُعاملة رجال الأمن مع المواطنين في ظروف تنحدر إلى اللاّإنسانية ومثال ذلك مشهد ضربهم للمسوخ الثّلاث الّذين وقع القبض عليهم، أو مشهد القبض على السّاهرين في مقهى الجمهوريّة بمن فيهم الصحفيّ وحجزهم في العربة الضيّقة مع كلاب البحث بدون تهمة تُذكر. كذلك مشهد المستشفى وامتلاء قاعات الانتظار دون وجود طاقم طبيّ كاف، ولعلّنا لليوم نشاهد هذا الواقع في مستشفياتنا العموميّة خاصّة. ضف إلى ذلك، تجربة الطبيب النفسانيّ حبوبا مجهولة المصدر على الرّاوي وهنا إشارة واضحة لغياب الضّمير المهنيّ الّذي بِتنا نلاحظه لدى الأطبّاء عامّة.
كذلك تجدر الإشادة بجماليّة اللّغة. شدّني أسلوب الكاتب الأنيق في السّرد بلغته المنسابة مع تدرّج الأحداث ليضفي مسحة من التّشويق ما يجعلك متورّطا مع الرّاوي في البحث عن حلّ لسهاده وجرائمه. وأنا بصدد القراءة، استحضرت عبارة كان يُكرّرها السّياسيّون دوما على مسامعنا "سنسهر على راحة المواطنين". فتخيّلوا لو كان بيننا سياسيّ صادق تُؤرّقه مشاكل البلاد ويهجره النّوم وينتهي به المطاف كالصّحفيّ...؟ "في الْهَمْ عَنْدِكْ ما تِخْتارْ".


نهاية، أودّ الإشارة إلى رواية قصيرة ورائعة جدّا للرّوائي الياباني "هاروكي موراكامي" بعنوان نُعاسْ وكان قد نقل فيها الحياة اللّيليّة الجديدة للبطلة التّي عانت الأرق لأسابيع.

تعليقات

الأكثر مشاهدة

مراد الثّالث - الحبيب بولعراس

في الدّرب الطّويل – هند عزّوز

سهرت منه اللّيالي – عليّ الدّوعاجي

قصص كرتونيّة للأطفال من وحي التّراث التّونسي

جولة بين حانات البحر المتوسّط – عليّ الدّوعاجي