مملكة باردو – عبد القادر بن الحاج نصر

مملكة باردو – عبد القادر بن الحاج نصر

"مملكة باردو" هي رواية تاريخيّة للأديب التّونسي عبد القادر بن الحاج نصر صدرت في طبعتها الأولى سنة 2010 من القطع المتوسّط في 326 صفحة.

مملكة باردو - الطبعة الأولى 2010

يعود بنا عبد القادر بن الحاج نصر في هذه الرّواية قُبَيْل انتصاب الحماية الفرنسيّة في المملكة التّونسيّة بسنوات، حوالي سنة 1878 في فترة حكم محمّد الصّادق باي، ونتابع حكايتين تتقاطعان في بعض الأحداث. فالعنوان أيضا يجهّزنا لمتابعة هاتين الحكايتين، فالأوّل وهو الّذي كُتب بالبند العريض "مملكة باردو" والثّاني والّذي كُتب أسفل صورة الغلاف (من مخطوط معاهد باردو 1881) بخطّ أصغر "حكاية ماء وملح بين تونس والجزائر".
في هذه الحقبة التّاريخيّة، كانت المملكة التّونسية تشهد بعض الغزوات بين القبائل، وفي احداها غزت قبائل خمير على الحدود التّونسيّة الجزائريّة فتمّ أسر أمّ الخير الجزائريّة واحتفظ بها الماجري لنفسه. هبّ أخوها السّعدي للبحث عنها ظانّا أنّ ضيفه التّونسيّ العزيزي هو من احتجزها. يظلّ الماجري لسنوات هاربا مع أمّ الخير وعائلته في السّهول التّونسيّة ويتواصل البحث عن المـُحتجزة فتكون فرصة للقارئ أن يتجوّل بين ربوع البلاد التّونسيّة والتّعرّف على مختلف طرق التّعامل لدى سكّان الأرياف. وعلى إثر هذه العمليّة، يستنكر القنصل الفرنسي "روسطان" هجوم التّونسيّين على الحدود التّونسيّة الجزائريّة والحاق أضرار ماديّة في صفوف الجنود الفرنسيّين المحتلّين للجزائر ويفتح لنا الكاتب الباب على مصراعيه لنشاهد عن كثب خفايا المخطّطات الدّنيئة لتسهيل انتصاب الحماية وأبطالها.
"مصطفى بن اسماعيل" هذا النّكرة الذي خلّد اسمه في تاريخ هذا البلد والّذي احتفى به الكاتب في هذه الرّواية ليوليه البطولة وليُطلع القارئ على "ابن منّانة" الّذي مشى على جثث أعدائه كي يصل إلى مطامحه بمعيّة "ابن الزّاي". بما أنّ زمن الرّواية وأحداثها كانا محدّدين، استعان الكاتب بأسلوب الاستذكار والاعترافات الصّادرة عن هذا الوزير كي يُطلع القارئ على سيرته فكانت كالآتي:
تلقّفت الشّوارع الطّفل مصطفى بن اسماعيل بعد وفاة أبويه، فعمل مساعد حلاّق بسوق البلاط إلى أن انتهى في كفالة موظّف حكوميّ كغلام. بعد اعتلاء محمّد الصّادق باي العرش، طلب غلمانا لخدمته فكان مصطفى من بينهم بل وكان الأمهر والأقرب لقلب الباي دون غيره فسهّل عليه الارتقاء في الوظائف. أُسندت إليه مهامّ وكيل مشتريات القصر وأمير لواء حرس الباي ووزارة الشّورى ثمّ الوزارة الكبرى، ولم يكن هذا الغلام ليصل إلى هذه المكانة لولا مساعدة: نديمه "ابن الزّاي" الّذي كان لا يرفض له طلبا رغم قساوة هذا الأخير عليه (اقرأ محاكمة ابن الزاي الأولى والثانية من صفحة 153 إلى صفحة 193)، إلياس مصلّي وزوجته لوجيا التي كانت تتدخّل لصالح مصطفى بن اسماعيل لدى روسطان والعكس كلّما اقتضت الحاجة وأخيرا القنصل الفرنسي روسطان الّذي كان حليف بن اسماعيل لتجهيز وتسهيل انتصاب الحماية الفرنسيّة أو بالأحرى الاستعمار الفرنسي في البلاد التّونسيّة إثر معاهدة باردو في 12 ماي 1881 والتي كان لبن اسماعيل اليد الكبرى في التأثير على الباي لتوقيعها. إلى جانب هذه المجموعة من الشّياطين، برع بن اسماعيل في خلق الفتن وترويج الأكاذيب مستندا إلى حبّ الباي له، فأوقع بين الباي ووزرائه وأفراد عائلته وحاشيته وتآمر مع الطّبيب "نيكولا فيانالي" لقتل شقيقي الباي محمّد العادل باي والطّاهر باي مسمومين ثمّ تمادى في تكبير حقد الباي ضدّ أخيه علي باي. كما زرع هذا الدّاهية البغض بين الباي والوزير المصلح خير الدّين باشا حتّى اضطرّه للاستقالة من الوزارة الكبرى وكذلك فعل مع خلفه محمّد خزندار ليتولّى "مصطفى بن اسماعيل" في نهاية حكم "الصّادق باي" الوزارة الكبرى في 25 أوت 1878. ولم يكتفِ بهذا القدر من السّلطة خاصّة وأنّه أفسح لنفسه المكان لكرسيّ الباي، فقد حلم بتولّي الحكم من بعد الصّادق باي وبمساعدة الفرنسيّين كمكافأة لما قدّمه لهم من خدمات ومساعدات سرّعت بدخولهم إلى الأراضي التّونسيّة لاحتلالها.
كما لم يتغاضى الكاتب عن الحديث عن أهمّ عيوب هذا الوزير فذكر نهمه وشجعه وحبّه لجمع المال والاستلاء على ما ليس له، فإثر عزل الوزير الأكبر مصطفى خزندار سارع بن اسماعيل للاستلاء على كلّ ما في بيته من نفيس وغال وكذلك فعل عندما انتقل الباي من قصر باردو إلى القصر السّعيد، هذا إلى جانب الرّشاوي التي تلقّاها من الأجانب مقابل خدماته الدّنيئة وتصرّفه في خزانة الدّولة دون حساب ولا عقاب.


هذه الرّواية هي إضافة للرّوايات التّاريخيّة التّونسيّة ولن يجد القارئ نفسه ضجرا بسبب الأحداث التّاريخيّة إذ أنّ الكاتب راوح بين فصول الحكايتين والتقاط الأحداث المشتركة زمنيّا، وإنّ المطّلع عليها وعلى سيرة "مصطفى بن اسماعيل" سيلاحظ أنّ التّاريخ مازال يكرّر نفسه، وأنّ ذرّيّة بن اسماعيل مازالت مواصلة في حكم البلاد والحاق الأضرار بها وسرقتها... فمتى تتخلّص تونس من السّياسيّين الفاسدين؟


تعليقات

الأكثر مشاهدة

مراد الثّالث - الحبيب بولعراس

في الدّرب الطّويل – هند عزّوز

سهرت منه اللّيالي – عليّ الدّوعاجي

قصص كرتونيّة للأطفال من وحي التّراث التّونسي

جولة بين حانات البحر المتوسّط – عليّ الدّوعاجي