بكارة – الحبيب السّالمي
بكارة – الحبيب
السّالمي
بكارة هي رواية للأديب التّونسي "الحبيب
السّالمي" صدرت عن دار النّشر اللّبنانيّة دار الآداب في نسختها الأولى سنة
2016 من القطع المتوسّط وفي 206 صفحة.
إشاعة تجتاح قرية صغيرة نائية من ريف القيروان: هل صحيح
أنّ البشير أبطأ أكثر من غيره في مهمّته ليلة زفافه وأنّ صديق طفولته ووزيره مصطفى
هو المسؤول عن إفشاء هذا السرّ؟
بكارة - الطبعة الأولى 2016 |
منذ الفصل الأوّل يحدّثنا الكاتب عن هذه الإشاعة ويأخذنا معه بأسلوبه السّرديّ الشّيّق إلى اكتشاف ذكريات سنوات مضت في تلك اللّيلة وما حدث فيها من صدفة رسخت ببال الصّديقين، ذكريات طفولة البشير ومصطفى تحت شجرة الخرّوب وحاضرهما وردّة فعليهما تجاه هذه الإشاعة. فلا البشير استطاع اقتلاع تصريح من صديقه كي يبعد عنه شكوك أنّه المسؤول الوحيد عن خروج هذه الإشاعة بعد الثّورة، أي بعد سنوات من الحادثة، ولا مصطفى استطاع تبرئة نفسه ممّا أدّى بمنّوبيّة (أمّ مبروكة زوجة البشير) أن تخطّط لقتله رفقة زوجها لإنقاذ شرف وعرض ابنتها ونسيبها.
صفحات نغوص فيها في دواخل الشّخصيّات، تعذّبنا تساؤلاتهم
ونتشوّق معهم لمعرفة ما خفي عنّا من حقائق تنكشف في الصّفحات الأخيرة من الرّواية.
صفحات يغرقنا السّالمي بأسلوبه المميّز في الوصف الحسيّ فتتأهّب كلّ الحواسّ
لالتقاط ما يقع أمامنا في جمل متقنة التّركيب من صور نعيشها لا نقرأها فقط. فتجدنا
نستنشق كلّ الرّوائح ونتحسّس التّراب والحشائش ونشاهد مناطق من الرّيف ونكتشف
القرية وطرقها ومنازلها. كما أنّ الكاتب يقنعنا بسذاجة الشّخصيات من خلال حواراتها
ولم يخفَ عليه أن يربطنا بالواقع الذي تعيشه البلاد فيحدّثنا عن الدّيمقراطيّة أو
"الدّيموراكية" كما قالها مصطفى وكما حاول البشير الاستفسار عنها
وتبيّن معناها. بل إنّ الحبيب السّالمي يذكّر القارئ بوقائع الانتخابات زمني
بورقيبة وبن عليّ وخاصّة إلحاح العمدة على السّكان على اختيار الأوراق الحمراء دون
سواها وكيف تغيّر الحال بعد الثّورة. صحيح أنّ أشياء كثيرة تغيّرت في البلاد بعد
الثّورة، لكنّ التّغيير ليس كبيرا ولا يشغل سكّان هذه المنطقة الرّيفيّة، وكأنّ
الكاتب هنا يضعنا أمام حقيقة تغيّبها وسائل الإعلام عادّة ويعرّيها الحبيب
السّالمي في هذه الرّواية ومفادها أنّ الثّورة تمكّن بها أصحاب المناصب العليا
وسكّان المدن الكبرى، وأنّ سكّان المناطق الدّاخليّة من البلاد مازالت همومهم
متعلّقة بما يسدّ رمقهم في السّنة الحالية ومازالت قضاياهم متعلّقة بقضايا الشّرف،
العنصريّة، الدّخل المادي والمحصول الموسميّ من القمح والزّيتون...
هذه الرّواية التّونسيّة وبالرّغم من أنّها مواكِبة
لأحداث العصر إلاّ أنّها المجال الذي يهبه لنا الكاتب كي نعيش بعيدا عن
التكنولوجيا والأحداث السّياسيّة في كنف الرّيف وأخبار الرّيف.
تعليقات
إرسال تعليق