هيّا نشتر شاعرا – أفونسو كروش
هيّا نشتر شاعرا –
أفونسو كروش
هيّا نشتر شاعرا للرّوائي البرتغالي "أفونسو كروش"
هي رواية من الحجم الصّغير جاءت في 87 صفحة ترجمها إلى العربيّة عبد الجليل العربي
وصدرت في طبعتها العربية الثّانية سنة 2017 عن دار المسكيلياني للنّشر والتّوزيع.
هيّا نشتر شاعرا - الطبعة الثّانية 2017 |
هيّا نشتر شاعرا أو رسّاما أو نحّاتا أو حتّى فيلسوفا في عالم صرنا فيه أرقاما في سجلاّت وأرقاما في ذاكرات الحواسيب. هيّا نخلق حلما أو أحلاما أو فلنقطع أميالا في خيالنا قبل أن نسقط في هوّة الأرقام.
الأرقام؟ عادة ما يتبادر إلى أذهاننا، وخاصّة في مجتمعنا
التّونسيّ، أنّ من يدرس الآداب لا يعني أنّه يطالع، بل يعني أنّه لا يستطيع الحساب
وعلى منواله أنّ من يكتب الرّواية أو الشّعر ما هو بعارف بقواعد الرّياضيات، ولكن
لا! مع أفونسو كروش نجد أنفسنا قد تهنا في عالم الأرقام والحسابات الدّقيقة، فهو
الذي يعدّ عدد الدّرجات أو عدد الطّرقات وعدد الخطوات وسرعة دقّات القلب وهو الذي
يذكُر مقياس فتحة الباب أو انفراج شفتين أو يقيس كميّة الأكل في وجبة وكميّة العطر
المستعمل. كيف لا ووالد الرّاوية محاسب ومتخم بحساباته اللاّمتناهية ومتابع لحركة
الاقتصاد العالمي ورأسماليّ بامتياز. في هذه الرّواية، ستشعر أنّك إن تبسّمت فهناك
من سيقيس كميّة الطاقة المستهلكة في هذه الحركة، وإن قبّلك شخص فستعرف كميّة
اللّعاب وكميّة الطاقة المستهلكان في هذا الفعل ولعلّك إن كنت مثل شخصيّات
الرّواية ستترك الكتاب رُغما عنك فقط لأنّك تريد أن تربح دون خسارة جهد أو وقت.
ولكن لحظة! تستطيع أن تربح متعة غير محدودة مع شاعرنا وتربح وجهة نظر في غاية
الأهميّة كانت هي كلّ جوهر هذا الكتاب.
إذن فالاقتصاد لم يكن مجرّد حفظ للمال أو الجهد، بل إنّك
تلاحظ اقتصاد الكاتب في عدد صفحات هذه الرّواية دون أن ينقص من قيمتها شيئا. اقتصد
الأب فاشترى تحت رغبة ابنته شاعرا، مثلما تشترى الحيوانات الأليفة، وبالرّغم من
أنّ كلّ ما يحيط بالشّخصيات من وسائل وآلات وملابس وأثاث كان برعاية إحدى
الشّركات، إلاّ أنّ الشّاعر المُختار كان دون "أيّة ماركة" و
"كتبه خالية من الرّعاية" وهو وإن كان مملوكا لعائلة إلاّ أنّه
كان حرّا من كلّ مظاهر الرّأسماليّة المدمّرة للإنسانيّة. ففي الرّواية أيضا لا
نجد أسماء مألوفة، بل إنّ الشخصيّات كانت لها أرقاما "وتحمل اسما أكثر بهاء،
فبعد الفاصلة هناك أربعة أرقام" (ص40). تخيّل للحظة، اسمك هو رقم، شوارع
مدينتك رقم، كلّ ما يحيط بك أرقام والأرقام لا تخطئ، فما كان دور الشّاعر وسط
الأرقام؟
الشّاعر كان كما ذكرت كالحيوان الأليف، يأكل وينام ويكتب
الشّعر، نعم يكتب الشّعر ويرصّف الكلمات بعيدا عن الأرقام وفي غياب الماديّات
الماليّة توجد الكلمات التّي تخفّف وطأة الأزمة وذلك ما حصل في فصل "هل
تفضّلين لحما؟". الشّاعر كان كالملاك يحوم بين الشخصيات الغارقة في
الحسابات، ينثر كلماته فينجح الأخ في لفت انتباه فتاة وتنجح الأمّ في التّفكير
العميق بها كذات بشريّة وينجح الأب في إنقاذ مصانعه من الإفلاس وتنجح الكاتبة في
عدم الاهتمام بحساب خطواتها أو ملّيلترات دموعها بل نلاحظ أنّ الشّاعريّة بدأت
تتوطّن في الرّواية بالرّغم ما حدث للشّاعر.
"الخيال والثّقافة يبنيان كلّ ما نحن عليه"
هكذا قال الكاتب في "ما يشبه الخاتمة" وهي خلاصة هذه التحفة
الإبداعيّة، هو لا يدعي إلى التّخلّي كليّا عن الأرقام لكن يصرّ على أنّ للثّقافة
مكانتها في المجتمع والثّقافة لها أن تحقّق أرباحا ماديّة وإنسانيّة إن تمّ
الاهتمام بها وقد أرفق خاتمة الرّواية بمقال به أرقام كأدلّة على الدّور الايجابي
للثّقافة في المجتمع البرتغالي. فمتى تولي الحكومة التّونسيّة أهميّة للثّقافة في
ظلّ تحوّل دور الثّقافة المهجورة إلى قاعات أفراح؟
تعليقات
إرسال تعليق