مريم تسقط من يد الله – فتحيّة الهاشمي
مريم تسقط من يد الله – فتحيّة الهاشمي
رواية مريم تسقط من يد الله للشّاعرة، الرّوائيّة والزجّالة فتحيّة الهاشمي
هي رواية صادرة في طبعتها الأولى سنة 2009 وهي رواية مُتحصّلة على جائزة الكريديف
لأحسن الكتابات النّسائيّة 2009/2010.
"من هي مريم وما هو الدّافع لسقوطها من يد الله؟" هكذا دائما
أبدأ القراءة بتساؤلات عقيمة بداية من العنوان ثمّ أنغمس في القراءة إلى أن أجد الأجوبة
وتساؤلات أخرى عديدة. ومنذ "الرّسم الأوّل" بدأت بعض الإجابات
تتّضح لي إذ وجدت نفسي وجها لوجه مع مريم ويوسف والحائط المثخّن بالرّطوبة و"يا
نهار أزرق" أجد أنّ الأحداث تدور في ماخور معروف وسط العاصمة (سيدي عبد
الله قشّ) وأنا لم أعهد هذه الجرأة في اختيار المواضيع في الكتابات النّسائيّة التّونسية.
مريم هي امرأة رُسم قدرها مذ أن كانت في بطن أمّها، هي إنسانة تبحث عن
إنسانيّتها وعن نسبها، هي ابنة الجميع... والجميع ينبُذها. فهي العاهرة العفيفة
التّي تبحث عن أبيها وتتحدّى المجتمع المتعفّف، الذّكوريّ وأيضا الأنثويّ، للوصول
إلى غايتها. هي الصّدر الدّافئ الذّي آوى وآنس يوسف الهارب من مظاهرات كي لا يقع
في أيدي الشّرطة وهو الكاره لقوارير المشروبات الغازيّة وما يتبع ذلك من وسائل
تعذيب وإهانة عُرف بها نظام البوليس في العهد البائد. مريم هي كلّ امرأة يدفعها
المجتمع للسّقوط وهو نفسه الذّي يتعفّف وينكر أفعاله النّكراء إذ أنّه ماخور كبير
يعجّ بمختلف الصّراعات الإجتماعيّة، السّياسيّة، الإقتصاديّة، الإيديولوجيّة ...
لذلك فضّل يوسف في النّهاية الرّجوع للماخور الصّغير جانب مريم على ممارسة البغاء
الـمُقنّع.
لم تكتفِ الكاتبة بالعربيّة الفصحى فكتبت بـ"الدّارجة
التّونسيّة" ولم تصدّ نفسها من إستعمال ألفاظ سوقيّة وذلك لما يتطلّبه المكان
وطبيعة شخصيّات الرّواية كما اختلط النّثر بالزّجل فتارة تجد نفسك في حوار بين
الشّخصيّات وتارة تجد نفسك تغنّي مع إحداها أحد مقاطع الأغاني الشّعبيّة
التّونسيّة. وأطراف الحوار تكون أحيانا جليّة للقارئ وأحيانا أخرى تتلاعب الكاتبة
بالقارئ فيجد نفسه حائرا بين الأطراف المتحاورة ولعلّها فهمت ما قد يحلّ بالقارئ
من غموض فقالت على لسانه (أو ربّما كان على لسان الرّاوي المشاهد لفصول الرّواية):
"إذا...! عليّ أن أبحث عن رواية أخرى لهذا الموقف: لكن يا للاّ فتحيّة،
متى ستكملين روايتك وتريحينني، مللت هذا الماخور ومريم ونفسي وهذا المركون في
الزّاوية ... هذا الأنين المقيم والزّفرات الحارقة، هذا الحوار الثّلاثيّ، ألن
تنتهي هذه الحكاية أبدا؟"
الرّواية، كما طرحت قضايا متعلّقة بالمجتمع التّونسيّ وأخلاقه، فإنّها أيضا
تجاوزت الحدود الإقليميّة وطرحت قضايا عربيّة مبطّنة ذُكر بعضها على لسان مريم
فأذكر مثلا:
"-ربّما بنو حولنا جدارا عازلا...
-ماذا؟
-جدارا عازلا
-لماذا؟
-ألا ترى الجدران العازلة كالفقاقيع تنبت كلّ يوم فوق سطح الأرض العربيّة.
-ولكن ذلك يتمّ لأمور أمنية حسب وجهة نظر مقترفيها.
-وهي يختلف الأمر هنا.
-لم أفهم!
-ولن تفهم!"
بعد قراءة هذه الرّواية، خاصّة عند الأخذ بعين الإعتبار زمن الكتابة، يتبيّن
لنا أنّ الأدب النّسائيّ التّونسيّ إنسانيّ، لا جنسيّ، وحرّ في مواضيعه إذ أنّ
فتحيّة الهاشمي مثّلت دور الكاتبة التّونسيّة الحرّة، المثقّفة، المطّلعة على
القضايا الوطنيّة والعربيّة والتّي تساهم بقلمها في الوقوف في وجه البغاء الفكريّ.
مريم تسقط من يد الله - الطبعة الأولى 2009 |
مريم ترتفع إلى يد الله أو ترفع بضم التاء من طرف قلم عارف بخفايا الكتابة و متمرّس في تعرية الجراح ... أدمعت عيني كما تدمع كل مرة و أنا أعود لمريم و لسقوطها المدوّي من و في عقل أنثوي قبل الذكوري ، سقوط يعنينا جميعا و يتعبنا و لا نفلت من مخالبه حتى الساعة ، سيرين وضعت الملح على الجرح فأزهر خزامى ، هل رأيت مفارقة أغرب من هذه يا ابنتي ؟ أنت ناقدة موهوبة تبشرين بكل الخير للنقد التونسي أتمنى لك النجاح في مسيرتك الشائكة ، نعم و لكن اخرها " جنان" كيما نقولو بالتونسي . و أنا أعلم ان بقي في العمر بقية أنني سأقرأ لك دراسات معمقة تفخر بها تونس و المرأة التونسية و المبدعة تحديدا هكذا هي تونس و هكذا هنّ نساؤها ، سنصنع تاريخها كما نريد و ليس كما تريد الفوضى الهدامة و دومي بكل الخير سيرين ، أنتظر جديدك خاصة بعدما تصلك الرواية الأخيرة " العنكبوت لا يحمي الأنبياء دائما ".
ردحذفمبارك عليك عملك الجديد، طبعا أنا متشوّقة للإطّلاع على جديد إبداعاتك ويسرّني أنّ رأيي المتواضع نال إستحسانك.
حذف