قبّة آخر الزّمان – عبد الواحد براهم
قبّة آخر الزّمان – عبد الواحد
براهم
قبّة آخر
الزّمان هي رواية تاريخيّة من التّراث صاغها عبد الواحد براهم في هذا الكتاب
الصّادر سنة 2003 والمتحصّل على الجائزة الأولى لمسابقة مدينة "المدينة"
للرّواية لسنة 2002. وأُعيد نشرها ضمن كتاب "ثلاثيّة الأندلس" سنة 2015.
*تلخيص:
تدور
أحداث هذه الرّواية حول البطل "بدرو" أو "بدر الدّين" الشّابّ
الأندلسيّ الذّي تربّى منذ صغره لدى عمّه "أحمد الحجري". وكان بدرو قد
انتُزِعَ من حضن أمّه منذ نعومة أظافره من قِبل جنود الإسبان الذّين أجبروا والديه
وزوجة عمّه على ترك البلاد والرّحيل إلى تونس مع جملة من الأندلسيّين الذّين
هُجّروا قصرا. وكان عمّه من أهل العلم وذو شأن هامّ لدى الإسبان فعمد إلى تربية
ابن أخيه تحت إسم مستعار وعلى الحفاظ وإخفاء إسلامهما إلى أن شبّ الفتى وأصبح
يمتهن حرفة النّحت. استطاع "بدرو" التّسلّل ضمن الجيش الإسباني،
المتوجّه نحو تونس لطرد الأتراك منها، وفق خطّة رسمها له عمّه بغية البحث عن
أبويه. واتّسمت تلك الفترة التّاريخيّة الحالكة للبلاد التّونسيّة بإشتداد الصّراع
العثماني الإسباني على هذا البلد واستطاعة الإسبان إسترجاع تونس وضمّها لمملكة إسبانيا
لمدّة لم تتجاوز السّنة. وكانت تلك السّنة، 1573م، هي التّي وافقت تواجد "بدر
الدّين" بتونس والتّي عاين فيها بصمت وألم الأعمال التّخريبيّة التّي لحقت
منازل التّونسيّين وخاصّة جامع الزّيتونة وتدنيسه من قبل أصحابه الجنود. أمّا
مهمّته فكانت المساهمة في بناء حصن الباستيون، الأمر الذّي ضيّق عليه زمن مكوثه
بتونس وحرمه من التّفرّغ للبحث عن عائلته لذلك عمد إلى كسر إحدى ذراعيه وتكفّل
فيما بعد باقتناء الجير من التّاجر "أحمد الجيّار". ثمّ كشف "بدر
الدّين" لهذا التّاجر عن سرّه وحقيقة تواجده بالدّيار التّونسيّة، فتولّى
"أحمد الجيّار" مساعدته في مرحلة أولى عن طريق البحث عن مقرّ سكنى
عائلته إثر وصولها إلى تونس من خلال سجلاّت زاوية القشّاش ثمّ في مرحلة ثانية
الرّحيل معه ومع أبنائه إلى مدينة العالية. ثمّ بعد بحث ومساعدة الأهالي توصّل بدر
الدّين إلى إيجاد أبويه وتزامن ذلك مع وصول الأتراك سنة 1574 لإسترجاع تونس من
الإسبان وشارك بدر الدّين في حصار حصني حلق الواد والباستيون وتمّ لقاؤه بعمّه
الذّي لحق به من إسبانيا.
*رأي:
إنّ قارئ
هذه الرّواية له أن يستشفّ فيها ثنائيّ الألم والأمل. فقد إمتدّ الألم على جزء
هامّ منذ بداية القصّ لتحمل الصّفحات الأخيرة الأمل.
الألم
تجسّم بداية في الحديث عن عذاب أهل الأندلس وما لاقوه من تعذيب، تهجير، تشريد
وتشدّد من قبل الجند الإسبان ومحاكم التّفتيش. الأندلس هو جرح مدمّل لازال ألمه
يعصف بالرّوح كلّما تحدّث عنه كاتب أو مؤرّخ وفي هذه الرّواية نقل الكاتب صورا
لدمويّة وتشدّد السّلط الدّينيّة الكاثوليكيّة تجاه الموريسكيّين. وجسّد الكاتب
الخوف الذّي لاقوه المسلمون ذاك الزّمان من خلال شخصيّة آمنة (أو "أنّا"
بعد أن تعمّدت إخفاء إسلامها) التّي كانت تفزع لأقلّ حركة خوفا من نيران الكنيسة:
'وتذكّر العجوز آمنة وارتعادها عند كلّ حركة'. أو كما ذُكر على لسانها 'ولست
أتعجّب وإنّما أنا خائفة، إنّه الخوف يتلف أعصابي ويمنعني من النّوم ليلا، فأبقى
كامل اليوم متوتّرة أفزع من حركة عصفور'.
كما حمل
"بدر الدّين" جزءا من مأساة الأندلس من خلال طفولته المشرّدة إذ أنّه
حُرم من حنان أمّه وكاد أن يكون طفلا لعائلة نصرانيّة كغيره، فقد عمد الجنود
الإسبان إلى تهجير المسلمين وسلبهم كلّ ممتلكاتهم وتمادوا في التّنعّم أكثر
بتعذيبهم بافتكاكهم أطفالهم. وكانت مرارة هذه الحادثة حاضرة دائما في ذات
"بدر الدّين".
'ابتلع
بدر الدين ريقه وأجاب: هذا ليس غريبا ... لأنّ الأطفال احتجزهم الأسبان ...
افتكّوهم من أمّهاتهم ووزّعوهم على الكنائس وعائلات النّصارى.'
ولئن
كانت خسارته هو أيضا فادحة، فإنّ "أحمد الحجري"، الذّي اضطرّ إلى التّظاهر
بالنّصرانيّة، إستطاع أن يحوز مكانة هامّة لدى الإسبان إذ أنّه كان حاذقا للتّرجمة
وكان الإسبان بحاجة لمن يترجم للعربيّة ومنها للقشتاليّة لتصفية الأراضي المفكوكة
من المسلمين ولضمّها ضمن ممتلكات مملكتهم. وكانت هذه آخر صور عراقة حضارة الأندلس
وجودة علومها.
كان هذا
جزءا من الألم، ألم الأندلس، أمّا الجزء الآخر فهو ألم تونس. ففي تونس يتنازع
أصحاب القوى على كرسيّ الحكم وأحداث الرّواية تدور في فترة حكم محمّد الحفصي، آخر
الحفصيّين الحاكمين، والذّي كان ألعوبة في يد الإسبان. والكاتب لم يغفل بتذكير
القارئ أو إعلامه بقسوة ودمويّة مهاجمة الإسبان لهذا البلد الآمن الأمين وخاصّة
إبراز تهافت الغاصبين من الجنود وطمعهم في خيرات هذا البلد وأهله. وذُكرت حادثة
أليمة تمثّلت في تدنيس جامع الزّيتونة وتكسير أعمدته وإفساد كلّ الكتب الموجودة
به. وهكذا كانت تساؤلات "بدر الدّين" بعد أن عاين ما فعله الجند:
'ماذا
سيفعلون بهذه المدينة اللّطيفة بعد أن بدأوا بسرقة الجامع؟ كيف تعفّ أيديهم عن
الدّكاكين والمخازن إذ لم تعفّ عن أماكن العبادة؟ بهذا كان الشّابّ يحدّث نفسه
متشائما ممّا سينال مدينة تونس على أيدي غزاتها الجدد ...'
وكان
تشاؤمه في مكانه إذ لم يهنأ أهل تونس من بطش الإسبان ونهبهم لكلّ خيراتها وثرواتها
لبناء حصن الباستيون ...
وهكذا
إمتزجت آلام الأندلس بآلام تونس كما امتزجت سابقا دماؤهم عندما فتح التّونسيّون أبوابهم
للأندلسيّين.
لكن، لا
بدّ من بصيص أمل وسط كلّ هذه المآسي، والأمل حمله أهل تونس بصبرهم على العدوان
تارة وبانفجارهم ضدّ الذّلّ تارة أخرى (وهنا نذكر حادثة خرطة الشّكارة التّي كانت
سببا لهروب بدر الدّين من الجيش الإسباني) وأذكر ممّا جاء في الرّواية 'مهما كان الثّمن لا بدّ
للنّاس أن ينفجروا من حين لآخر، فالذّلّ والهوان الّذي يذوقونه كلّ يوم في أبسط
أمور معاشهم لا يكال بكيل أو يقاس بمقياس' ...
لكنّ
الأمل تجلّى بوضوح لدى "بدر الدّين" وعمّه "أحمد الحجري"
اللّذين كانا يحلمان بـ'المدينة الفاضلة' ... بمدينة يعمّ فيها الأمن والآمان ...
مدينة تحمل التّسامح والسّلام والتّعايش السّلميّ بين أفرادها ... مدينة لم يصلها
الظّلم أبدا ... ولعلّها هي ذاتها التّي قصدها أحمد الجيّار '... فإذا انتهينا
من هذا سأقودك وإيّاهم إلى مدينة أنشئت في مكان غير بعيد، فيها كل ما تشتهيه
الأنفس وتلتذّ به الأعين، فإذا جمعت فيها أحبابك أحسست أنّها الجنّة'.
وعندما
إنقشعت غشاوة الظّلم وهُزم ما بقي من الإسبان وأصبحت تونس تحت لواء الإمبراطوريّة
العثمانيّة، تستقبل القارئَ صفحاتٌ تنذر بالصّفاء والنّور ولم تحمل بين أسطرها
إلاّ ميثاق المدينة التّي حلم بها "أحمد الحجري" وهو ميثاق المحبّة،
السّلام والتّعايش السّلميّ ... وكانت هذه الرّسالة هي جوهر هذه الرّواية.
رائعة شكرا سيرين تحليل دقيق غير مخل بالمعنى ....دعوة حصيفة لقراءة الرواية وبلوغ منتهى بهاء النص وتحية للمبدع ع الواحد براهم...
ردحذفمرورك بوريقاتي شرف لي سي مصطفى =) كلّ الشّكر
حذف