الكسكسي
داعبت أنفه رائحة الطّبق الشّهيّ. كان الصّحن "النّابلي" ممتلئا إلى
آخره بـ"الكسكسي الدياري". كان قد نسي منذ متى كانت آخر مرّة ذاق فيها
هذه الأكلة من يدي أمّه، ربّما عقود مضت منذ غربته عن ديار حنانه.
بقي واجما أمام غنيمته، إستحى أن يفسد مشقّة تنسيق الخضروات فأغمض عينيه. إلاّ أنّ
نواقيس بطنه أعلنت حالة الطوارئ و وُجوب الإسراع في الأكل.
فكّر من أين يبدأ. حسنًا بالبسملة. ثمّ هل يقضم الفلفل المضرّخ بالتّوابل أم يورّق
حبّة البصل الرابضة بشموخ فوق باقي الخضروات مختزنةً روائح إبداع الطاهية. مهلاً،
لم لا يبدأ باللّحم؟ ... لا تذكّر أنّ من عاداته أكله آخرا كي يتمتّع بنكهته باقي
اليوم.
غضّ بصره عن الصّورة المعلّقة ولعن صاحب معمل الكسكسي والعولمة والرأسمالية
والإشتراكية والتعاضديّة والأحزاب السياسية واليساريّة والإسلاميّة
والتّكفيريّة... والإنتقالية الديمقراطيّة و "الكروش الدّازة تحت السّوريّة" ... و واصل بحثه في القمامة عن قوت يومه.
*سيرين بن حميدة*
قيل في هذه القصّة:
ردحذفقصة قصيرة جديرة بالتقدير...لغة فيها تركيز وتخييل ,مراوحة بين الحواس ,انتقال بين الأزمنة , اِنتقال من السرد إلى الحديث الباطني ,إبراز الموقف الإنساني, تعريض بالمواقف الانتهازية , تصوير للواقع التونسي بعد الثورة ولكن ضمن رؤية فنية متكاملة بعيدا عن المباشرتية والشعبوية وفي غير تجريد متعال أيضا....ذلك هو الإبداع.
سوف عبيد (شاعر تونسيّ)