درّاقة – بشير الخلفي

درّاقة – بشير الخلفي



يندرج هذا الكتاب ضمن أدب السّجون ولعلّ ما يشدّك منذ الصّفحات الأولى في هذا الكتاب هو التوجّه السّياسيّ للكاتب، إلاّ أنّ الفضول الذّي يحرّكه فيك الكاتب لمعرفة الحقائق المخفيّة يجعلّك تفتح صدرك للاختلافات الإيديولوجيّة.
عندما بدأ في ذمّ حكم بورقيبة، شخصيّا، كنت على وشك إغلاق الكتاب. فقد صوّره في مشهد الحاكم المتسلّط، المتعطّش للحكم، القاتل، المشرّد، الجائر مع اليوسفيّين "تونس كانت عنوانا للأنس فصيّرها بورقيبة عنوانا للبؤس والشّقاء". وكأنّ من عارضوا بورقيبة سابقا، جعلوا من تونس جنّة على الأرض اليوم بعد أن منحتهم الثّورة حريّة مطلقة في كلّ المجالات.
أواصل القراءة تحت ضغط الفضول لأعثر عن طرف خيط ضائع. يقول الكاتب "وبدأت الصحف تطالعنا كل يوم بعناوين جديدة وتصريحات لبعض القيادات ك'عبد الفتاح مورو'. دبّ الشكّ في صفوفنا ولمسنا بداية التّصدّع في الصّفّ الدّاخليّ وفقدان التّماسك المعهود". بداية من هنا تخلّيت عن كلّ العقد التّي من الممكن أن تقصيني من متعة القراءة خاصّة وأنّ أسلوب الكتابة مغر جدّا. ما ذكره الكاتب ومضى يحتاج للكثير من الشّهادات الحيّة كي تفهم هذه المقاصد المختبئة، لذلك أدعو كلّ من أراد قراءة هذا الكتاب أن يقرأ بعده كتاب 'كسّار في أرض التّيه' ل'فريد خدّومة' وهو أيضا من ضحايا الاستبداد و هذه الحركة.
بقيّة الكتاب هو دعوة مفتوحة من الكاتب للتّجوّل معه في خبايا السّجون التّونسيّة من تعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان وعدم توفّر الظروف الأساسيّة للعيش والإضرابات المتكرّرة للحصول على الحقوق المفقودة.
وأنت تقرأ ستجد أنّ الكاتب يدعوك إلى التّحلّي بالمبادئ الإنسانيّة السّامية كالحِلم والمغفرة تجاه الجلاّد. ستجده أيضا فخورا أشد الفخر بنضاله وذلك بتكراره لهذه الكلمة حتّى يملّها القارئ، وقد إرتبطت هذه الكلمة بحبّ الخلود في سبيل الوطن، الأفكار والرأي "وضاع أملي في أن يكون إسمي من الخالدين ...". في عديد المناسبات انتظرت إنشاد الكاتب لقصيدة 'الصغير ولا أحمد' 'نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد'. ومن يقرأ، خاصّة كتب أدب السّجون، سيعترضه هذا الإحساس النرجسيّ بحبّ الوطن، وكأنّه هو المسؤول الوحيد عنه.
الكثير من المشاهد التّي تعترضك في صفحات الكتاب تذكّرك بمشاهد أخرى مماثلة لمن قرأ 'برج الرّومي' غير أنّ 'سمير ساسي' كان في مستوى عال من الجدّيّة وبثّه لمعاناته التّي لزمته سنوات بعد خروجه من السجن ولكن في هذا الكتاب نجد جانبا من الفكاهة المغلّفة بوشاح السّخريّة النّاقدة. سيعترضك فصل كامل بعنوان "مع المساجين ... ولكن بلا قضايا" إذ بثّ الكاتب شكوى الحشرات من إحتكار الجلاّدين لدماء، جلد ولحم مساجين الرأي إذ أصبحوا لا يجدون سوى العظام الهشّة.
كما أقول "كتاب يجيب كتاب" لذلك أضفت في 'قائمة الانتظار' كتابين:
* (أيضا هو كتاب ضمن أدب السّجون) 
Cristal de Gilbert Naccache
* شهادة للتّاريخ عن أحداث قفصة المسلّحة سنة 1980 ل 'المنصف بالحولة'



دراقة

تعليقات

الأكثر مشاهدة

مراد الثّالث - الحبيب بولعراس

في الدّرب الطّويل – هند عزّوز

سهرت منه اللّيالي – عليّ الدّوعاجي

قصص كرتونيّة للأطفال من وحي التّراث التّونسي

جولة بين حانات البحر المتوسّط – عليّ الدّوعاجي