عنقود العنب – عبد الله البلطي

عنقود العنب – عبد الله البلطي

هذا الكتاب هو وثيقة تاريخيّة هامّة لقضيّة "مانيفال" (معمر فرنسي مالك هنشير الروماني ببوسالم) وما لاقاه العامل التّونسي من إهانات وإنتهاك لحقوقه في عهد الإستعمار.
تعود هذه القضيّة إلى 3 أوت 1922، صادف يوم عيد الإضحى، حيث ربط "مانيفال" عامليه المتّهمين بالسّرقة "علي بالخير" و "رمضان بن خميس" إلى عربته وقام بجرّهما حتّى ألحق بهما أضرارا بدنيّة جسيمة تمثّلت في بتر 3 أصابع في اليد اليمنى لأحدهما، وبتر جزء من السّاق اليسرى للآخر. والحال أنّ المسروق لم يكن سوى "عنقود عنب" أكله العاملين.
لكنّ الصّدفة وضعت المصابين أمام "عبد الرحمان اليعلاوي" (زيتوني مناضل ومنسّق مع الحزب الحر الدستوري التونسي بجهة سوق الاربعاء-جندوبة حاليّا-) الذّي نصحهما برفع قضيّة عدليّة لدى قاضي الصّلح وهو ما أدّى إلى توتّر مجموعة من المعمّر الفرنسي ممّا جعله ينذر الهدايا والعطايا لعائلتي المصابين.
وتطوّر الوضع إذ تبنّى الحزب القضيّة وتابعها عن قرب الزّعيم التّونسي "عبد العزيز الثّعالبي" ونُشرت العديد من المقالات في الصّحف كصحيفة 'المستقبل الاجتماعي'، الناطقة باسم الحزب الشيوعي. كما نشر الشّاعر "عبد الرحمان الكافي" العديد من الأبيات الشّعريّة المندّدة بهذا الظّلم الصّارخ.
لكن ومع كلّ هذا، كان يوم 8 فيفري 1923 حاسما إذ إستطاع الطّاغي الفرنسي الإفلات من العقاب إثر حكم المحكمة بتونس بغرامة ماليّة للمتضرّرين وحكم بالسّجن مع تأجيل التّنفيذ للمستعمر الفرنسيّ ...

وقد حمل الكتاب العديد من صور حياة التّونسيّ في ذاك العصر وعاداتهم وما شهده المجتمع من إنقسامات بين مؤيّد للإستعمار الفرنسيّ المحتلّ للبلاد بدافع إخراجه من 'البربريّة'، وهم أصحاب الأملاك الخائفين على مصالحهم، وبين معارض لهذا التّدخّل.
ومن بين الصّور الرّائعة التّي تنفي 'تخلّف' المجتمع التّونسي زمن الإستعمار، هو تبادل الألغار والأحجيات بين المواطنين المهتمّين بالسياسة والمُحترسين من أعين المتجسّسين و 'القوّادة' لدى المستعمر، فأذكر ما جاء في الكتاب:
"بوغمدة: خبّروني عن الذي يبدأ إسمه بالعين وبرجه بالعنب جمعه وما ذاقه وادخر العذاب والتّعب.
فأجابه البرني قائلا: الكرم خصيب والصيف طبيب والفرج على يدي الله المجيب والصلاة والسلام على محمد الرّسول الحبيب."
كما نقل الكاتب ملزومة محل شاهد للشّاعر "عبد الرحمان الكافي":
"جلالة المعمّر يشنق في الروي *** على عنقود يقتل ويعذّب بالمكاوي
في وقت اللي نحبّو الجور ينطوي *** صبحنا نشوفو فيه عمّال وهو قاوي"
(هذا رابط لدراسة حول هذا الشّاعر).
والكتاب لم يخلُ من صور مثّلت "سوق الإربعاء" و "سوق الخميس" في العشرينات، لذلك فهو يعتبر مكسبا تاريخيّا هامّا لصاحبه.



عنقود العنب - الطّبعة الأولى 2010

تعليقات

الأكثر مشاهدة

مراد الثّالث - الحبيب بولعراس

في الدّرب الطّويل – هند عزّوز

سهرت منه اللّيالي – عليّ الدّوعاجي

قصص كرتونيّة للأطفال من وحي التّراث التّونسي

جولة بين حانات البحر المتوسّط – عليّ الدّوعاجي