عشيقات النّذل - كمال الرّياحي
تذكير: هذا
رأي شخصيّ بحت ومن يريد الإطّلاع أكثر على الرّواية توجد العديد من المقالات على
الأنترنات.
قراءة في الجانب الأخلاقي لكتاب عشيقات النّذل لكمال الرّياحي
لعلّ هذا
الكتاب وصل لذروة الشهرة مؤخّرا، ولعلّه نال نصيبا وافرا من القراءات النّقديّة
منها من اهتمّت بأسلوب الكاتب في الكتابة ومنها من اهتمّت بالفكرة العامّة للرواية
وتحليلها ومنها من اهتمّت فقط بمجاملة صاحب الكتاب.
لكن، ما
دفعني قهرا لقراءة هذا الكتاب هو نشر الكاتب على صفحته لصور بعض المراهقات
الحاملات لهذه الرّواية والافتخار بهنّ. استوقفني سؤال إحداهنّ "من قتل
سارة؟" وجعلني أكاد أجزم أنّ هذه الرّواية يجب أن تُمنع على فئة معيّنة من القرّاء، خاصّة جيل اليوم المتذبذب. سؤالها بريء، لن
يحمل خلفيّات عدّة لأنّ فهم الرّواية معقّد بعض الشيء. فالرّاوي مهلوس يكتب ويسرد فصولا من ماضيه وحاضره، يحضر وعيه قليلا ثمّ
يعود للسّقوط في دوّامات الخيال والهلوسة ... أو كما أجاب صديقه اليهوديّ على
التّحقيق "-هل كان يشكو من مرض ما؟ -صرع"
فمن
الواضح إذن أنّ اهتمام الفتيات المراهقات بهذا الكتاب لن يتعدّى الصّور الجنسيّة
الفاضحة التّي امتدّت على بضع أسطر. ولعلّ اهتمامهنّ لن يتعدّى حسهنّ الفنيّ في
تذوّق سنفونيّة السبّ والشّتم، التّي تتجسّس على مسامعنا في الأماكن العامّة،
والتّي وُجدت من يعطيها قيمة على صفحات هذه الرّواية.
"القباحة"
والكلام البذيء في هذه الرّواية هو جزء لا يتجزأ من شخصيّة كلّ الشّخصيات، وكأنّهم
لم يكتفوا بالنذالة كرابطة بينهم، بل استطاعوا جميعا خلق عالم للبذاءة والتّعايش
فيه ... فلا حُرمة للأخلاق فيه. ومثال ذلك رسالة "سارّة" إلى والدها
(هلوسةً كانت أم حقيقة) فهي تبثّ أبشع ما يمكن أي تعترف به فتاة لأبيها، إذ تقول
"عليّ أن أعترف لكـ، أبي العزيز، أنّك قذر. قذر يا أبي. لكن لا تحزن
كثيرا، فأغلب من عرفت من الآباء كانوا مثلك قذرين." (ص129)
والاعتراف
بحقيقة ما، وإن كان يجلب راحة نفسيّة لصاحبه، فإنّه يدمّر الأطراف الأخرى. ولعلّ
هذا ما أرادت "سارة" الوصول إليه عندما ذكّرت أباها أنّه 'لقيط من
مرقص مجهول' مثله مثل أيّ رجل مرّ في حياة أمّها، عكس ما يدّعيه هذا الأب. فهو
أيضا بالنّسبة لابنته رجل بلا ذاكرة "أنت أيضا بلا ذاكرة ولكنّك أقبح منّا
جميعا لأنّك تدّعي ذاكرة ليست لك." (ص129)
وتتواصل
رسالة الاعتراف سطرا بعد سطر في محاولة لاستفزازه بتذكيره بمومساته، بجرذانه
وبهلوسته في الكتابة لتُلجمه وتمارس عليه ضغطا نفسيّا هو في غنى عنه. ويتميّز
أسلوب الخطاب في الرّسالة بقذف التّهم والاعترافات المباشرة والمحقونة بكره دفين.
اعترافات ترجّح فيما بعد أنّها لم تتعدّ بواطن "سارة" أو، ربّما، هي
كالعتاب الذّاتيّ سلّطه الأب على نفسه ... فباعتبار العلاقة الرّابطة بين
الشّخصيّتين، يكون تقبّل مثل هذه الكلمات مشكوكا فيه "أخيرا عرفت أنّك لا
شيء. مجرّد كذبة. فساء ديك عنين. حكى لي حسن عن كلّ شيء. هدّدني وحدّثني عن قحابك
الكثيرات، عن الساقطة هند قحبة المونديال التّي جعلتك نجما، والسّاقطة ناديا قحبة
الإعلام التّي حوّلتك إلى طاغية... لم تنجب غير الفئران أيّها النّذل العنين." (ص113)
وكما لم
ينجُ الأب من فحش لسان ابنته، لم تسلم الأمّ "ناديا" منه أيضا سواء
بوصفها بأقبح النّعوت أو بالانتقام الثّلاثيّ الذّي مارسته الابنة مع عشيقها
والذّي روته بكلّ تفاصيله في بقيّة الرّسالة. لكن، ولمن قرأ الكتاب، يجب علينا التّوقّف
لحظة لبيان علاقة الأب بابنته قبل قَتلها كي لا نظلم هلوسة الأب ولا قباحة أفعال
وكلام الابنة ذات السبعة عشر سنة.
في فصل
سابق، تحدّث الرّاوي عن "حادث عرضيّ" جمعه بابنته في قاعة السينما ممّا
استوجب طردهما "نعم أدخلت يدي تحت قميصها وربتّ على خصرها، كما كنت أفعل
وهي صغيرة. هذا لا يعني أنّني ... حمّالات الصّدر هي التّي اصطدمت بأصابعي."
(ص59). ولم يكن بالشّيء المخجل أو الغير العاديّ بالنسبة لهما فبعدها "في
الشّارع ضحكنا طويلا" ممّا يبيّن توافق رأييهما وشخصيّاتهما.
إذن، بعد
تسليط الضّوء على علاقة "أب وابنته" يخيّل للقارئ وكأنّ بالكاتب يحاول
بناء مجتمع ذو قيم هشّة (لو نظرنا إليها من الجانب الأخلاقيّ المبني على قيم
ديننا) وأنّ هذا المجتمع لا يمثّل المجتمع الحاليّ للقارئ. لكن إلى أيّ مدى يمكن
للتّلميذات اللاّتي قرأن الكتاب أن يستوعبن هذا الأمر؟ (ليس تقليلا من شأنهنّ لكن
جيل اليوم لا ينذر بمجتمع قويم)
أو من
ناحية أخرى، وكما صرّح البعض في آرائهم، أنّ الكاتب استطاع نقل الواقع الرّديء،
الخسيس، الرذيل والتّافه كما هو: بعباراته البذيئة وأفعاله الشّنيعة (العلاقات
الغير المشروعة، القتل، العراك، ...) فما قيمة الابداع الأدبيّ واللّغوي إن كانت
الكتب تنقل الواقع كما هو (على طريقة: copier-coller) فنمجّده
ونعتبره فنّا راقيا وعملا ابداعيّا؟ وما محلّ علم البديع من البلاغة إن لم يستطع
الكاتب أن يخرج بنا من تفاهة ما نعانيه من الواقع ليرسمه بطريقة أجمل؟
دفعني
حبّ الإستطلاع وتبادل الآراء إلى حضور حفل توقيع الرّواية بتاريخ 15 ماي 2015
بشرفة المسرح البلديّ بالعاصمة "تونس" وسمعت آراء كثيرة، كما هو الحال
على شبكات التّواصل، تشيد بهذه الرّواية. أعترف أنّ للكاتب قلم جميل وأعترف أنّه
فضح واطلع القارئ على عورات المجتمع التّونسيّ غير أنّني لا أجد لذّة ولا إبداعا
في تمرّد الكتابة الوقحة ولا أرى جمالا في القُبح. توجد حدود لكلّ شيء حتّى في
الكتابة وخاصّة منها جنس الرّواية لأنّه يجب أن يخرج للقارئ في قالب بديع ومنمّق،
وهذا رأي شخصيّ بحت.
فيما يلي ستجدون حوارا دار
بيني وبين سيّدة على الفايسبوك كان لها رأي مخالف لرأيي رغم عدم اطّلاعها على
الرّواية.
تعليقات
إرسال تعليق