لو عاد حنّبعل – الهادي ثابت
لو عاد حنّبعل – الهادي ثابت
"لا بد أنه سحرك بنظرته... لقد وقعنا كلنا في سحر تلك النظرة."
وقعت أسماء في سحر نظرات حنّبعل ووقعتُ في سحر هذه الرّواية. فلم
أتعوّد أن أقرأ لتونسيّ رواية خيال علميّ ممزوجة بشذرات من التّاريخ الإنسانيّ.
فحكاية الرّواية تتمثّل في عودة "حنّبعل"، القائد القرطاجيّ
العظيم الذّي لازال حاضرا في الأذهان، إلى عصرنا الحاليّ. وعودته هي عمليّة
إستنساخ قامت بها طالبة من كوكب "قانماد" لأنّها وجدت في شخصيّته
تناقضات تدعو للإهتمام. وسمّاها حنّبعل بـ "تانيت" لأنّه إنبهر
بالتّقدّم العلميّ والتّكنولوجيّ لسكّان هذا الكوكب الذّي، لاحظ فيما بعد، تأخّر
سكّان الأرض عنهم وتأخرّه عن العالمين.
ويقيم حنّبعل في نزل بالحمّامات لتقع "أسماء" في حبّه
وتتطوّر علاقتهما سريعا لتعده بالزّواج بعد أن تقصّ عليه سيرته وتاريخه ليضعنا
الكاتب أما شهرزاد وشهريار ويعود بنا إلى غياهب التّاريخ فيروي مآثر عبد ملقرط
وتأثيرها في بناء شخصيّة ابنه البكر حنّبعل على لسان أسماء ... وتستمرّ ليالي
السّمر فتروي له أشهر المعارك التّي قام بها حنّبعل ضدّ روما لتختم بسرد وقائع حرق
قرطاج على يد الرّومان الهمجيّين. ثمّ تنقلب الأدوار ليروي حنّبعل قصّة بناء قرطاج
بداية من هروب "علّيسة" حتّى إنتحارها عندما وجد في حديث شهرزاده أنّ
الرّمان حرّفوا تاريخ قرطاج إنتقاما لما سبّبه لهم من عار بحصاره الذّي دام 15
سنة. كما ركّز الكاتب، على لسان حنّبعل، أنّ الخيانة التّي وقعت في مجلس الشّيوخ
الذّي سيطر عليه كبار التّجار هو من أهمّ العوامل التّي ساهمت في ضعف
"جمهوريّة قرطاج" وهزيمتها.
وبعد أن إسترجع حنّبعل ذكرياته وتزوّج، تأقلم مع عصره الجديد وأبدى
إهتماما كبيرا بالتكنولوجيا المحيطة به، رغم تأخّرها مقارنة بتكنولوجيا سكّان
الفضاء، وإنكبّ ينهل من معارف العصر الحديث ليسافر إلى أمريكا التّي اعتبرها
"روما العصر الحالي" وقدّم محاضرة، حاول فيها أن يكفّر عن جزء من ذنوبه
الماضية واعتبر أنّ حربه ضدّ روما لم تنته بعد، عندما تحدّث عن مقوّمات الحضارة
الرّومانية القائمة على محاولة السّيطرة وفرض وجودها وعن أهمّ مقوّمات الحضارة
القرطاجيّة القائمة على التّجارة وربط العلاقات في محيط حوض البحر الأبيض المتوسّط
ليفضي تحليله إلى نتيجة وأنّ الصرّاع بين الحضارتين كان حتميّا لإختلافهما
الجوهريّ وليختم بسؤال هو مفتاح مشاكل كلّ العصور "لكن هل تكمن إنسانية
الإنسان في الهيمنة أم في التسامح؟" . وينتقل بنا الكاتب إلى باب جديد من
الرّواية وهي عودة شخصيّة حنّبعل كاملة بتناقضاتها وبجنونه بقوله "لم يخلق
حنبعل ليستسلم للأقدار!".
فقد فكّر هذا الأخير في تخضيع الإعلاميّة والإعلام ليقدّم رسالة إلى
العالم أكمله يفضح فيها ما رآه من جمال على الكرة الأرضيّة وما أثّر في نفسه من
غطرسة ووحشيّة في الإنسان المدمّر الذّي يُخضع العلم لمحاولة تدمير الأرض
والبشريّة من خلال التّلويث وأسلحة الدّمار الشّامل. وقام بمساعدة
"تانيت" فتاة الفضاء ببث رسائله وسط محاصرة رجال الأمن لبيته.
"قال بصوت حزين: لأنّ حنّبعل يريد أن يكفّر عن ذنوبه التي
اقترفها في الحروب السابقة. لم لا يفلح في نزع غريزة الحرب من العقل البشري؟
قالت له تانيت: ربما يتطلب ذلك أكثر من حملات توعية. إن الجنس
البشري جبل على الحرب منذ أن تحول الإنسان من حيوان غير عاقل إلى حيوان عاقل."
وأكثر ما أعجبني هو المقارنة التّي أجراها الكاتب بين الماضي
والحاضر، بين ما كان سائدا في عصر حنّبعل وبين الحاليّ الذّي عاد إليه ولم يجد
أنّه تغيّر سوى في المظهر غير أنّ طبيعة الإنسان الجشع والحيوانيّ لازالت عالقة
به، وتفطّن أنّ من واجبه ردع أمريكا لأنّها تسير في نفس طريق روما وهو ما سيسبّب
مأساة للبشريّة. وعن المقارنة بين العصرين أذكر هذا المقطع:
"حتى النظم السياسية الحالية ليست أكثر ديمقراطية من النظم
التي كانت سائدة في البلدان المتقدمة مثل قرطاج وأثينا وروما! اليوم كالأمس:
الأقليات المتمكنة من الثروة تتداول على الحكم مستعينة بجهاز الدولة لقمع الأغلبية
المحتاجة... غريب هذا العالم الذي يراوح في نفس المكان!"
ولم يكتف الكاتب بالمقارنة فقط بل بثّ في كتابه وسائل، على لسان
حنّبعل، لجعل الحياة على الأرض ممكنة في وسط بيئيّ، إقتصاديّ، سياسيّ وإجتماعيّ
متناسق رغم الإختلافات معتمدا الحاضر والمستقبل الذّي رآه ممكنا من خلال سكّان
الفضاء الذّين رسّخوا قيمة طلب العلم والمعرفة لإثبات الذّات قبل السّيطرة على
الآخر فذكر:
"عالمها يمثّل مستقبل عالم اليوم بشرط ألاّ يأتي سياسي أحمق
ويقضي على الحياة برمتها على الأرض."
كما أنّ على الإنسان الوعي بأنّ كوكبه جميل ورائع ومن واجبه الحفاظ
عليه لتستمرّ البشريّة.
حقيقة وجدت نفسي مستمتعة وأنا أقرأ هذا الكتاب، خيال علميّ ممتزج
بالتّاريخ والواقع. تجربة جميلة خرجت بها من هذا الكتاب وبالنّسبة لي، أعتبر أنّ
هذه الرّواية رائعة وأنّ كاتبها نجح في طرح قضايا عصره بأسلوب لم يخلُ من الإمتاع
فكما قال الكاتب في التّصدير عندما سأله صديقه عن الإضافات التّي سيضيفها في سيرة
رجل نال نصيبا هامّا من البحوث والدّراسات والكتب:
"لكن العمل الروائي هو عمل فني قبل كل شيء. ومن هذا المنطلق
ركزت اهتماما كبيرا على هذا الجانب من عملي." وقد نجح!
لتحميل الكتاب من هذا الرّابط.
"لا بد أنه سحرك بنظرته... لقد وقعنا كلنا في سحر تلك النظرة."
وقعت أسماء في سحر نظرات حنّبعل ووقعتُ في سحر هذه الرّواية. فلم
أتعوّد أن أقرأ لتونسيّ رواية خيال علميّ ممزوجة بشذرات من التّاريخ الإنسانيّ.
فحكاية الرّواية تتمثّل في عودة "حنّبعل"، القائد القرطاجيّ
العظيم الذّي لازال حاضرا في الأذهان، إلى عصرنا الحاليّ. وعودته هي عمليّة
إستنساخ قامت بها طالبة من كوكب "قانماد" لأنّها وجدت في شخصيّته
تناقضات تدعو للإهتمام. وسمّاها حنّبعل بـ "تانيت" لأنّه إنبهر
بالتّقدّم العلميّ والتّكنولوجيّ لسكّان هذا الكوكب الذّي، لاحظ فيما بعد، تأخّر
سكّان الأرض عنهم وتأخرّه عن العالمين.
ويقيم حنّبعل في نزل بالحمّامات لتقع "أسماء" في حبّه
وتتطوّر علاقتهما سريعا لتعده بالزّواج بعد أن تقصّ عليه سيرته وتاريخه ليضعنا
الكاتب أما شهرزاد وشهريار ويعود بنا إلى غياهب التّاريخ فيروي مآثر عبد ملقرط
وتأثيرها في بناء شخصيّة ابنه البكر حنّبعل على لسان أسماء ... وتستمرّ ليالي
السّمر فتروي له أشهر المعارك التّي قام بها حنّبعل ضدّ روما لتختم بسرد وقائع حرق
قرطاج على يد الرّومان الهمجيّين. ثمّ تنقلب الأدوار ليروي حنّبعل قصّة بناء قرطاج
بداية من هروب "علّيسة" حتّى إنتحارها عندما وجد في حديث شهرزاده أنّ
الرّمان حرّفوا تاريخ قرطاج إنتقاما لما سبّبه لهم من عار بحصاره الذّي دام 15
سنة. كما ركّز الكاتب، على لسان حنّبعل، أنّ الخيانة التّي وقعت في مجلس الشّيوخ
الذّي سيطر عليه كبار التّجار هو من أهمّ العوامل التّي ساهمت في ضعف
"جمهوريّة قرطاج" وهزيمتها.
وبعد أن إسترجع حنّبعل ذكرياته وتزوّج، تأقلم مع عصره الجديد وأبدى
إهتماما كبيرا بالتكنولوجيا المحيطة به، رغم تأخّرها مقارنة بتكنولوجيا سكّان
الفضاء، وإنكبّ ينهل من معارف العصر الحديث ليسافر إلى أمريكا التّي اعتبرها
"روما العصر الحالي" وقدّم محاضرة، حاول فيها أن يكفّر عن جزء من ذنوبه
الماضية واعتبر أنّ حربه ضدّ روما لم تنته بعد، عندما تحدّث عن مقوّمات الحضارة
الرّومانية القائمة على محاولة السّيطرة وفرض وجودها وعن أهمّ مقوّمات الحضارة
القرطاجيّة القائمة على التّجارة وربط العلاقات في محيط حوض البحر الأبيض المتوسّط
ليفضي تحليله إلى نتيجة وأنّ الصرّاع بين الحضارتين كان حتميّا لإختلافهما
الجوهريّ وليختم بسؤال هو مفتاح مشاكل كلّ العصور "لكن هل تكمن إنسانية
الإنسان في الهيمنة أم في التسامح؟" . وينتقل بنا الكاتب إلى باب جديد من
الرّواية وهي عودة شخصيّة حنّبعل كاملة بتناقضاتها وبجنونه بقوله "لم يخلق
حنبعل ليستسلم للأقدار!".
فقد فكّر هذا الأخير في تخضيع الإعلاميّة والإعلام ليقدّم رسالة إلى
العالم أكمله يفضح فيها ما رآه من جمال على الكرة الأرضيّة وما أثّر في نفسه من
غطرسة ووحشيّة في الإنسان المدمّر الذّي يُخضع العلم لمحاولة تدمير الأرض
والبشريّة من خلال التّلويث وأسلحة الدّمار الشّامل. وقام بمساعدة
"تانيت" فتاة الفضاء ببث رسائله وسط محاصرة رجال الأمن لبيته.
"قال بصوت حزين: لأنّ حنّبعل يريد أن يكفّر عن ذنوبه التي
اقترفها في الحروب السابقة. لم لا يفلح في نزع غريزة الحرب من العقل البشري؟
قالت له تانيت: ربما يتطلب ذلك أكثر من حملات توعية. إن الجنس
البشري جبل على الحرب منذ أن تحول الإنسان من حيوان غير عاقل إلى حيوان عاقل."
وأكثر ما أعجبني هو المقارنة التّي أجراها الكاتب بين الماضي
والحاضر، بين ما كان سائدا في عصر حنّبعل وبين الحاليّ الذّي عاد إليه ولم يجد
أنّه تغيّر سوى في المظهر غير أنّ طبيعة الإنسان الجشع والحيوانيّ لازالت عالقة
به، وتفطّن أنّ من واجبه ردع أمريكا لأنّها تسير في نفس طريق روما وهو ما سيسبّب
مأساة للبشريّة. وعن المقارنة بين العصرين أذكر هذا المقطع:
"حتى النظم السياسية الحالية ليست أكثر ديمقراطية من النظم
التي كانت سائدة في البلدان المتقدمة مثل قرطاج وأثينا وروما! اليوم كالأمس:
الأقليات المتمكنة من الثروة تتداول على الحكم مستعينة بجهاز الدولة لقمع الأغلبية
المحتاجة... غريب هذا العالم الذي يراوح في نفس المكان!"
ولم يكتف الكاتب بالمقارنة فقط بل بثّ في كتابه وسائل، على لسان
حنّبعل، لجعل الحياة على الأرض ممكنة في وسط بيئيّ، إقتصاديّ، سياسيّ وإجتماعيّ
متناسق رغم الإختلافات معتمدا الحاضر والمستقبل الذّي رآه ممكنا من خلال سكّان
الفضاء الذّين رسّخوا قيمة طلب العلم والمعرفة لإثبات الذّات قبل السّيطرة على
الآخر فذكر:
"عالمها يمثّل مستقبل عالم اليوم بشرط ألاّ يأتي سياسي أحمق
ويقضي على الحياة برمتها على الأرض."
كما أنّ على الإنسان الوعي بأنّ كوكبه جميل ورائع ومن واجبه الحفاظ
عليه لتستمرّ البشريّة.
حقيقة وجدت نفسي مستمتعة وأنا أقرأ هذا الكتاب، خيال علميّ ممتزج
بالتّاريخ والواقع. تجربة جميلة خرجت بها من هذا الكتاب وبالنّسبة لي، أعتبر أنّ
هذه الرّواية رائعة وأنّ كاتبها نجح في طرح قضايا عصره بأسلوب لم يخلُ من الإمتاع
فكما قال الكاتب في التّصدير عندما سأله صديقه عن الإضافات التّي سيضيفها في سيرة
رجل نال نصيبا هامّا من البحوث والدّراسات والكتب:
"لكن العمل الروائي هو عمل فني قبل كل شيء. ومن هذا المنطلق
ركزت اهتماما كبيرا على هذا الجانب من عملي." وقد نجح!
لتحميل الكتاب من هذا الرّابط.
تعليقات
إرسال تعليق