ساعة اينشتاين الأخيرة – وليد سليمان

ساعة اينشتاين الأخيرة – وليد سليمان


هذا الكتاب هو عبارة عن مجموعة قصصيّة للمترجم وليد سليمان يعتني خاصّة بشواغل الإنسان المعاصر. ويضمّ هذا الكتاب، الصّادر سنة 2008 في طبعته الأولى، 9 قصص قصيرة كتبت بأسلوب سرديّ سلس وفي متناول القارئ العاديّ غير أنّ ما تبطّنه القصص من مواعظ، حكم وتساؤلات يدفعك لإعادة قراءة القصّة مرّة أخرى ومرّات.
فالكاتب وظّف عنصر المفاجأة في أغلب قصصه وترك القارئ يُدهش في نهاية القصّة ويدفعه لتساؤلات جمّة، والقصّتين الأولتين خير دليل. ففي القصّة الأولى " ساعة اينشتاين الأخيرة " يجد القارئ نفسه منقادا بسحر وصف الكاتب لشخصيّة اينشتاين وبراعة هذا الأخير في إصلاح السّاعات مهما كانت معقّدة غير أنّه، ذات مرّة، وجد نفسه أمام ساعة تايوانيّة الصّنع استعصت عليه وحار في أمرها إلى أن أدّى به الأمر إلى الجنون. وعند هذا الحدّ يجب على القارئ التّفكير في دلالة السّاعة ويتساءل عن رمزها في القصّة. فالظاهر أنّ اينشتاين لم يقبل الهزيمة ضدّ هذه السّاعة وباطنها يمكن لنا تأويله كلّ حسب نظرته. فمن الممكن أن تكون دلالة السّاعة هي الإنسان وأمّا مركّباتها العديدة والمنظّمة فهي تمثّل قيم الإنسان كالدّقّة والإخلاص في العمل وضرورة التّفكيك وإعادة التّركيب في حالة العطب. وبما أنّ الكاتب ذكر أنّ السّاعة التايوانيّة "فخلف ظاهرها شديد الإتقان لا تحتوي الساعة في الداخل إلا على قطع معدودة، حتى أن الإنسان ليستعجب كيف يمكن لها أن تعمل بعد تخفيض مكوناتها إلى ذلك الحد" يمكن لنا أن نستنتج أن بنقصان القيم لدى الإنسان له أن يؤدّي ذلك إلى الجنون والإنتحار. وأخذا بعين الإعتبار، تصريح الكاتب بنوعيّة السّاعة الأخيرة لاينشتاين، لنا أن نستنتج أن السّلع المغشوشة والمقلّدة ذات السّعر الزّهيد والمغري والتّي اكتسحت الأسواق في السّنوات الأخيرة قد أدّت إلى تحطيم من كان يكسب قوته ببراعته اليدويّة أمثال اينشتاين.
ويواصل الكاتب كشف سلبيّات الفرد في العصر الحديث إذ يسرد علينا الكاتب في القصّة الثّانية "في ساحة جان جينيه" حوارا قام بين البطل وشخص تبدو عليه ملامح الفقر غير أنّه مثقّف وعالم ببواطن الثّقافة والأدب ليكتشف البطل بعد أيّام، في نهاية القصّة، أنّ محدّثه لم يكن سوى الفنّان الفرنسي "جان جينيه". هنا يحدث عنصر المفاجأة لدى القارئ الّذي لابدّ له أن يتطلّع إلى الأسباب التّي جعلت الكاتب يختار مثل هذه الشّخصيّة ليجعلها مركز ثقل قصّته. فهذا الفنّان، الذّي نشأ في ملجإ، إشتهر بمواقفه الثّابتة والقويّة في العديد من القضايا الإنسانيّة. وهنا نستخلص أنّ من عيوب الإنسان المعاصر هو إنقياده الأعمى للمظاهر وبنائه لعلاقاته طبق هذه المظاهر الخادعة دون إعتبار المضمون.
مرورا بالقصّة الثّالثة ذات العنوان "ثلاث ساعات في فيوميتشينو" يتعمّد الكاتب لإبراز مشكلة صحّيّة أصبحت تعاني منها جميع البلدان بداية من الولايات المتّحدة الأمريكيّة التّي أصبحت تعتمد على الإشهارات المكثّفة للحد من 'السّمنة'. فقد استعمل الكاتب أسلوبا ساخرا للحديث عن جارة المسافر "التّي لم تكفّ منذ بداية الرّحلة عن الأكل" وما جعله أيضا ينفر منها هو فضولها الذي لم تسلم منه المضيّفة وإستقصاؤها لأخبار الآخرين. وما هذه السّيّدة سوى نموذج عاديّ ممّا أصبحت عليه المجتمعات. غير أنّ الكاتب يعد القارئ بأنّه في ظلّ ما وصل إليه العالم من تلاقح الثّقافات، فإنّ بناء الصّداقات مع غيره من سكّان العالم سيكون المفرّ للهروب من الغربة. لذلك يجب التّحلّي بالصّفات الطّيّبة ليكون الفرد 'مواطن عالميّ".
وعند طرح قضايا الإنسان المعاصر، لابدّ من التّلميح أو الإشارة إلى مكانة العقل لدى الإنسان، وهو ما خصّص له الكاتب قصّة "كلام المجانين" بين 'هو' و 'هي' ليكشف أنّ الجرائم في حقّ الإنسانيّة ما وجدت لولا العقل وأنّ "الجنون أعلى مراحل السّعادة" غير أنّ "بعقولنا نستطيع أن نفكّر في الجنون، في حين أنّنا لو كنّا مجانين لعجزنا عن التّفكير في العقل". وهنا نقف أمام تساؤلات عديدة لعلّ من أهمّها: 'هل الجنون هو الحلّ الأخير للنجاة من عالم لم يُوظّف العقل كما يجب؟' و 'من يضع مفاهيم الجنون والتعقّل اليوم؟'.
وهكذا تتواصل قصص الكاتب لتسلّط كلّ منها الأضواء على مشاكل الإنسان اليوم ... كما أعاد الكاتب صياغة مواقف وأحداث لشخصيّات تاريخيّة ك "وضّاح اليمن" و "سيزيف" حسب وجهة نظر جديدة.



ساعة اينشتاين الأخيرة

تعليقات

الأكثر مشاهدة

مراد الثّالث - الحبيب بولعراس

في الدّرب الطّويل – هند عزّوز

سهرت منه اللّيالي – عليّ الدّوعاجي

قصص كرتونيّة للأطفال من وحي التّراث التّونسي

جولة بين حانات البحر المتوسّط – عليّ الدّوعاجي